Quantcast
Channel: توجيه بريس tawjihpress
Viewing all articles
Browse latest Browse all 4023

جدل العقوبات التأديبية والدفاع عن آخر ما تبقى من المدرسة العمومية –جمال هبوز

$
0
0

جدل العقوبات التأديبية والدفاع عن آخر ما تبقى من المدرسة العمومية

                   جمال هبوز – مستشار في التوجيه التربوي

 

        في كل مرة يثار فيها نقاش العقوبات التأديبية في المدرسة المغربية،  إلا وينقسم المجتمع المغربي ومعه الفاعلون التربويون ومن جميع الاتجاهات والأيديولوجيات الى تيارين متباينين: تيار يعتبر العقوبات التأديبية حلا زجريا وليس تربويا اقرب منه من النيابة العامة الى المدرسة، وتيارا اخر يعتبرها ضرورة وأداة وليس غاية في حد ذاتها وهدفها ومخرجاتها هو الحفاظ على أدوار المدرسة وعلى طابعها التربوي بالخصوص.

      مثل هذه المواضيع والاختلاف الحاصل فيها لا يمكن بتاتا مناقشته من خلال حلال او حرام اومن خلال  الجنة والنار  كما لا يمكن كذلك أن يكون موضوع مزايدات وتجاذبات، والحكم عليه بالإيجاب والسلب لن يكون الا  من خلال رصد  ومقارنة اثاره  الايجابية والسلبية على الفرد والمجتمع وعلى التلميذ وعلى المدرسة سيان؟ ولن يكون ذلك دقيقا الا عبر فتح بحث اكاديمي علمي رصين وخصوصا ان الموضوع له علاقة بمستقبل بلد.  

        نظريا لا يختلف هاذان التياران  حول حادثة قبلة مكناس في احدى الثانويات مؤخرا من حيث توصيف  هذا السلوك  على انه سلوك غير سوي قد يكون وراءه عدة مشاكل نفسية واضطرابات في الشخصية وعوامل اجتماعية كالحرمان العاطفي او الحرمان من الدفيء الاسري وغيرها من الأمور الكثيرة،  ولا يختلفان كذلك فيما قد يخلفه هذا  الانحلال القيمي خصوصا اذا استشرى في أوساط التلاميذ وتم التطبيع معه من نتائج وخيمة على مستقبل الفتيات خصوصا، ليس على مستقبلهن الدراسي فقط بل على حياتهن بأكملها،  ولا يختلفان كذلك  أن الخاسر الأكبر آنذاك لن يكون  الا  هذا المجتمع بأكمله من خلال تنامي ظواهر التفسخ الأخلاقي والقيمي وتنامي ظواهر أطفال الشوارع والفتيات العازبات ودعارة التلميذات والأمهات المتخلي عنهم وغيرها من الكوارث والماسي  التي بدأت تنخر جسد  المجتمع المغربي والتي لا تخلو أي مؤسسة تعليمية تقريبا من قصص مشابهة كانت احدى التلميذات ضحية لهذا المسار المأساوي.

      انما يكمن الاختلاف الجوهري بين التيارين في طريقة العلاج حيث يبرر التيار الأول موقفه بكون استعمال التوقيف النهائي او الطرد من المؤسسة مثلا معناه القضاء على المستقبل التلميذ الدراسي ودفعه نحوالمجهول بذل محاولة احتواء المشكل والتعامل مع الموقف بليونة اكبر واتخاذ عقوبات بديلة كإنجاز اشغال البستنة والنظافة او انجاز اشغال بالمكتبة المدرسية بعد طلب الوزارة عدم استخدام التوقيف المؤقت في مذكرتها الوزارية الأخيرة في 17 اكتوبر 2014  ( 14/867 ).

    أما التيار الثاني فيرى أن دور المدرسة أكبر بكثير من قضية تلقين دروس وشهادات بل هي مكان للتنشئة الاجتماعية وهي مكان لاكتساب قيم ومبادئ تساعد الفرد على التكيف مع الحياة ومجابهة صعابها وهي مكان ليتعلم فيه التلاميذ معنى الاستقلالية ومعنى الاعتماد على النفس  ومعنى  تحمل مسؤولية الافعال وكما قال الدكتور وعالم النفس روبيرت انتوني في كتابه الشهير الثقة التامة بالنفس  “ان ما يهدد المجتمع الأمريكي حاليا  الأمور المادية بل هي تلك الحماية المفرطة للأطفال من طرف اباءهم والذي لن يجعل  الامر الا أكثر صعوبة عندما يكون محتم عليهم مواجهة عالم الكبار” .

 كما يرى هذا التيار كذلك ان العقوبات التأديبية، والتي لا تخلوا منها أي منظومة تربوية، ما هي الا وسيلة وليست غاية في حد ذاتها وهي استثناء وليست الأصل وتستعمل فقط عندما تعجز المدرسة عن معالجة الوضع عبر استنفاذ الحلول التربوية وعجزها عن الحد من تداعياته. وهي ككل القرارات المؤسساتية لها وقع لحظي ولها وقع على المدى البعيد، فيها رسالة لمقترف الخطأ ورسالة للأغيار ولأقرانه بعدم تكرار نفس الخطأ. كما يعتبر هذا التيار كذلك أن السلوكات غير السوية والخطيرة وخصوصا التي يمكنها ان تعيق او أن تؤثر بشكل كبير على مردودية التحصيل الدراسي، يجب التعامل معها بحزم وحكمة في نفس الوقت، فهي مثل الوباء او السرطان، فعندما تصل الى حدود يستحيل معها العلاج الفردي يبقى الحل أحيانا عزل الفرد او بثر العضو وحماية الأغلبية الى حين.

للأسف فعلى مستوى المنظومة التربوية المغربية وعكس التعليم العالي الذي تم فيه التنصيص على جميع العقوبات التأديبية في مرسوم واضح ( المرسوم 2.06.619 الصادر في 28 اكتوبر2008  )، بقيت العقوبات التأديبية في التعليم الابتدائي والثانوي  مبهمة وغير منصص عليها بوضوح في اي مشروع  حيث أنيطت

عملية اقتراح القرارات التأديبية ازاء التلاميذ الغير المنضبطين لمجالس الأقسام  وذلك وفق قرارات يجب أن يكون منصوصا عليها في النظام الداخلي للمؤسســـة ( المادة 29 من المرسوم 2.02.376  الصادر بتاريخ 17يوليو2002  من النظام الاساسي الخاص بمؤسسات التربية والتعليم العمومي ) والتي كانت تتأرجح بين الإنذار والتوبيخ والتوقيف المؤقت والتوقيف النهائي من الدارسة بالمؤسسة وليس الفصل من الدراسة والذي لا يكون الا باستيفاء سنوات التمدرس، الى ان جاءت المذكرة الوزارية رقم 14/867 والتي طالبت بتعويض التوقيف المؤقت عن الدراسة بالعقوبات البديلة فقط ولم تلغي باقي العقوبات الاخرى.

وإذا رجعنا الى واقعة مكناس والى الطريقة الكارثية التي تعاملت معها المديرية الإقليمية والتي قامت بإلغاء قرار مجلس القسم الأول عبر بلاغ صحفي حيث طالبت فيه بإرجاع التلميذين فورا وتغيير قرار المجلس الى احدى العقوبات البديلة.

فنجد انها من الناحية القانونية وحسب علمي المتواضع، فلا يحق لها ذلك وان المخول له الغاء قرارات مجلس القسم هي المحكمة الإدارية (القضاء الاستعجالي) أو مجلس القسم نفسه. أما فيما يخص مطالبة مجلس القسم الانعقاد مرة أخرى واصدار احدى العقوبات البديلة وفقط، فهو كذلك مخالف لمنطوق المذكرة 14/867 والتي طالبت فيه الوزارة بشكل صريح تعويض التوقيف المؤقت بالعقوبات البديلة ولم تمسس باقي العقوبات الأخرى مما يعني انه باقي العقوبات ما تزال سارية المفعول. وبالرجوع الى هذه المذكرة العبثية والتي لقيت العديد من الانتقادات من طرف عدد كبير من الفاعلين التربويين فور صدورها فيكفي ان نذكر بعض الانتقادات الموجهة اليها مثل:

  • ان الغاء التوقيف المؤقت من الدراسة قد يدفع المجالس التأديبية الى اللجوء الى اتخاذ العقوبة القصوى أي الطرد من المؤسسة بعدما طالبت الوزارة بعدم اللجوء لعقوبة التوقيف المؤقت والذي كانت تتخذه اغلب المجالس التأديبية فقط مراعاة لليونة القرار ولظروف التلميذ في حين أن العقوبة المقابلة لمخالفته كانت تستوجب الطرد من المؤسسة؟

  • كذلك فهذه المذكرة لم تشر ما العمل في حالة إذا تم رفض هذه العقوبات من قبل التلميذ أو ولي أمره؟ وكيف ستتصرف المؤسسة آنذاك وأي عقوبة ستتخذ بعد ذلك؟

  • كما لم تشر الى من سيتحمل المسؤولية المدنية للتلميذ المعاقب اثناء انجاز للعقوبة البديلة أهو الحارس العام ام المدير ام ام ام…؟ وهل سنرهن أحد الأطر الإدارية لمراقبة ذلك التلميذ أسبوعا مثلا لتطبيق تلك العقوبة مع ما تعرفه المنظومة التربوية من خصاص مهول في الاطر الادارية؟ أو أو أو …

  • ألن تتسبب هذه العقوبات ان تم فهمها من طرف التلميذ أنها اهانة وحكرة موجهة في حقه آثارا نفسية وخيمة أكثر مما تسببه العقوبات التأديبية العادية.

      أما من ناحية وقع القرار على المدى البعيد فقرار المديرية الإقليمية ما هو الا ضرب  وتسفيه للمدرسة العمومية وادوارها وتحطيم لما تبقى من أنفتها ومن أنفة التعليم العمومي  وانفة قراراته ولمجالسه ،  فبذل ان نعمل على بعث رسائل إيجابية مفادها ان هذه السلوكات غير مقبولة ولن تساعد  لا على تحصيل دراسي جيد ولا على بناء افراد قادرين على مجابهة الصعاب، وبذل ان نبحث عن حلول تربوية  تساعد هاذين التلميذين على الاندماج من جديد في جو بعيد من القيل والقال عبر مساعدتهما على استكمال دراستهما  وحقهما في التعلم بثانويات أخرى، قمنا وعن غير وعي ببعث رسائل  كارثية وخطيرة وفي كل الاتجاهات، مفادها ان كل شيء  اصبح الان مباحا في المؤسسات التعليمية العمومية، فعنفوا الأساتذة او اشنقوا الاستاذات  واشربوا الخمور في الاقسام ودخنوا المار جوانة  والحشيش في الساحات وانجبوا الأولاد في القاعات وفي الساحات وفي المختبرات  فلا احد  يمكنه ان يزعزعكم من اماكنكم فحقكم في التعليم حق دستوري ومضمون، فنحن في مؤسسة تربوية ولسنا في نيابة عامة فهللوا وامرحوا مع أنفسكم واستغلوا وقتكم  ففي الأخير فأعلى ما يمكن ان تتخذه هذه المؤسسات الذليلة والبئيسة هو ان تصدر قرارا  تطلب فيه من سيادتكم مساعدة المؤسسة لبضعة ساعات في تنظيف مرافقها مشكورين مسبقا  او حفر بعض الحفر لغرس بعض الشجيرات والورود تخليدا لأسماءكم ولأعمالكم الجليلة بهذه المؤسسة وذلك بعد فقعكم لعين أستاذ اللغة الفرنسية وتكسير اسنان أستاذ الرياضيات وركل الحارس العام ورفس السيد المدير وتخريب مرافق المؤسسة، فالمهم عندنا هو ان تقوموا بترديد النشيد الوطني صبيحة اول يوم من كل أسبوع فحذار ان تغيبوا عنه،  فتلك هي المواطنة الحقة وذلك هو المواطن الصالح الذي نبتغي.

           نعم للتفكير بحكمة وروية ونعم للبحث عن الحلول التربوية لفائدة تلامذتنا ولفلذات اكبادنا، نعم لمساعدتهم على شق طريقهم نحو بناء مستقبلهم ومساعدتهم على الاندماج السلس في الحياة، نعم لتأطيرهم ومدهم بالاستشارات والتوجيهات والارشادات النفسية ، لكن ارجوكم ليس على حساب هيبة المدرسة وكرامة الأستاذ المحور الرئيسي في المنظومة التعليمية فليس كل من يأتي الى المدرسة يستحق صفة تلميذ وليس كل من ولج المدرسة علاجه حلولا تربوية، فهناك من لا حل له للأسف الا السجون او مستشفيات الامراض العقلية، ويجب ان نعترف وان نقر انه لا يمكن للمدرسة ان تعالج جميع حالات سوء السلوك وجميع حالات اضطرابات الشخصية وجميع حالات الامراض العقلية والنفسية كما لا يجب نحملها ما لا تطيق.

      ولعل لنا في حوادث الاعتداء الشنيع على أستاذ ورززات وأستاذ الرباط وغيرهما، خير واعظ وخير رد على بلاغ المديرية الإقليمية لمكناس وطريقة تعاملها مع الوضع، أستاذ أفنى زهرة شبابه في تعليم وتربية الأجيال فيأتي مريض في صفة تلميذ يشبعه ركلا ورفسا امام تلاميذه ويمسح به الارض، فكيف يمكن اذا ان نعالج  هذه الانفلاتات بالعقوبات البديلة مثلا، وبأي وجه سنطلب من هذا الأستاذ وغيره بعد  طحن كرامته بالتضحية ونكران الذات والرفع من مردودية عمله، فقبل ان  نتساءل عن المردودية حري بنا  ان نتساءل أولا ماذا فعلنا تشريعيا لتوفير الحد الأدنى من ظروف العمل الموضوعية؟  

 

                                                                           جمال هبوز مستشار في التوجيه التربوي

التدوينة جدل العقوبات التأديبية والدفاع عن آخر ما تبقى من المدرسة العمومية – جمال هبوز ظهرت أولاً على توجيه بريس|.


Viewing all articles
Browse latest Browse all 4023

Trending Articles



<script src="https://jsc.adskeeper.com/r/s/rssing.com.1596347.js" async> </script>