الحاجة إلى التوجيه
إن عملية التوجيه المدرسي والمهني تكتسي أهمية قصوى في سيرورة التربية والتكوين، باعتبارها عملية تستهدف التوفيق بين خصائص واستعدادات الفرد من جهة، وبين أنواع الدراسة أو المهنة، من جهة ثانية، للوصول به إلى أقصى درجات التكيف والنمو الدراسي أو المهني. ومن هذا المنطلق، يمكن الجزم أن عملية التوجيه المدرسي والمهني تعتبر من أخطر وأدق العمليات في الحقل التربوي، لأنها تتطلب نهج الموضوعية والاحتياط للكشف عن مؤهلات التلميذ وقدراته ومن تم ترشيده إلى الشعب و المسالك التكوينية المناسبة، لا باعتماد النقط الدراسية فحسب، بل بالنظر لمكونات شخصيته والوسط الذي يحتضنه. وعلى هذا الأساس، فعملية التوجيه تعد عملية تركيبية لمجموعة من العناصر ترتكز بالأساس على معرفة العالم المدرسي والمهني بكل مقوماته، وكذا المعرفة الدقيقة للشخص المعني بهذه العملية. ومن تم فتوسيع مجال الاستشارة والتوجيه أصبح ضرورة، على جميع الفاعلين التربويين من أساتذة ومستشارين في التوجيه وإداريين وتلاميذ وأسر…هؤلاء جميعا مطالبين بالعمل الجماعي الفعال والتدبير التشاركي من أجل تحقيق مستقبل أفضل للناشئة. إن الحاجة الى التوجيه تعود لعدة عوامل نذكر منها:
1. فترات الانتقال الحرجة:
يمر كل فرد خلال مراحل نموّه بفترات انتقال حرجة يحتاج فيها إلى التوجيه والإرشاد. وأهم هذه الفترات عندما ينتقل من الطفولة إلى المراهقة، ومن المراهقة إلى الرشد. إن فترات الانتقال الحرجة هذه قد يتخللها صراعات وإحباطات وقد يلوّنها القلق والخوف من المجهول والاكتئاب. وهذا يتطلّب إعداد الفرد قبل فترة الانتقال ضمانا للتوافق مع الخبرات الجديدة.
2. التغيرات الأسرية:
يختلف النظام الأسري في المجتمعات المختلفة حسب تقدّم المجتمع وثقافته ودينه. ويظهر هذا الاختلاف في نواحٍ عدّة مثل نظام العلاقات الاجتماعية في الأسرة ونظام التنشئة الاجتماعية.
3. التغير الاجتماعي :
يشهد العالم في العصر الحاضر قدرا كبيرا من التغير الاجتماعي المستمر السريع. ويقابل عملية التغير الاجتماعي عملية أخرى هي عملية الضبط الاجتماعي التي تحاول توجيه السلوك بحيث يساير المعايير الاجتماعية ولا ينحرف عنها. وهناك الكثير من عوامل التغيّر الاجتماعي أدّت إلى زيادة سرعته عن ذي قبل مثل: التقدم العلمي والتكنولوجي وسهولة التزاوج بين الثقافات .
4. التقدم العلمي والتكنولوجي: ادة التطلّع إلى المستقبل والتخطيط له وظهور علم المستقبل ونحن نعلم أن التقدم العلمي يتطلّب توافقا من جانب الفرد والمجتمع ويؤكد الحاجة إلى التوجيه والإرشاد خاصة في المدارس والجامعات والمؤسسات الصناعية والإنتاجية من أجل المواكبة والتخطيط لمستقبل أفضل.
عوامل اختيار المهنة المستقبلية:
إن اختيارات التلاميذ تتجاوز الفضاء المدرسي، لتشمل الأسرة والوسط الاجتماعي والثقافي بما فيه الرأي العام ووسائل الإعلام… بمعنى أن هناك شبكة من العلاقات تتفاعل فيما بينها لتمارس بشكل مباشر أو غير مباشر، بشكل واع أو غير واع، أثرها على التوجيه المدرسي وبالتالي على اختيارات التلميذ.
التلميذ المقبل على التوجيه المدرسي يجد نفسه أمام مسالة اختيار الشعبة التي سيلجها، ويكون في حاجة ماسة لمن يساعده على اتخاذ هذا القرار؛ وهذه المساعدة تقتضي تدخل، ليس المستشار في التوجيه فحسب، بل تستدعي تدخل أطرافا أخرى مثل : الأسرة، الأساتذة، الإداريين . وإذا كانت هذه المسألة تتطلب وعيا ذاتيا ونضجا شخصيا يؤهل الفرد لإصدار أحكام واتخاذ قرارات واقعية ومسؤولة، فتدخل الأسرة بصفة عامة والآباء بشكل خاص قد يؤثر على اختياره فيجد نفسه حائرا بين اختياراته الشخصية والأسرية.
لهذه الأسباب،أصبحت المدرسة ملزمة بإعداد التلميذ لمرحلة الاختيار هاته، وذلك عبر أنشطة دراسية وإعلامية مخطط لها تبدأ في سن مبكرة، تليها محطات أخرى مرتبطة بنمو التلميذ، محطات تمكن التلميذ من استكشاف ذاته ومؤهلاته الفكرية والنفسية لتنسجم مع اختياراته الدراسية والمهنية، وبالتالي اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.
الاختيارالمثالي:
يعتبر الإختيار مثاليا للشعبة الدراسية إذا كان الفرد قادرا على امتلاك معرفة حقيقية بمسالك التكوين و بالمهن في جميع ابعادها، و قادرا على تحقيق معرفة دقيقة بميولاته و مؤهلاته و قيمه و امكانياته و حدوده.
ليس التوجيه مجرد قرار بسيط يتخذ عند الانتقال من مستوى إلى اخر، وإنما هو سيرورة مستمرة، تشاركية، تشاورية، ومنسجمة.
التوجيه السليم هو الذي يكون مبنيا على أساس مشروع مهني او ما يسمى مشروع الحياة، مشروع تتداخل فيه ثلاثة أبعاد رئيسة :
* البعد المدرسي: الذي أساسه مسارات التكوين والدراسة؛
* البعد المهني: أساسه المهن وعالم الشغل؛
* البعد الشخصي: اساسه المؤهلات والقيم .
لذلك، أيتها التلميذة، أيها التلميذ، وجب:
– معرفة المؤهلات الفردية؛
– معرفة النظام التعليمي ومسارات التكوين؛
– معرفة المهن/ استكشاف عالم الشغل
التدوينة الحاجة إلى التوجيه وعوامل اختيار المهنة المستقبلية ظهرت أولاً على توجيه بريس|.